تفسير سورة البقرة ( 4 )
7 – (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ) يعني ينقضون العهد الذي عاهدوا به أنبياء الله الماضين بان لا يشركوا بالله شيئاً ولا يقتلوا النفس التي حرّم الله قتلها ولا يزنوا ، وقد أخلفوا الله ما عاهدوه (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) يعني ويقطعون صلة الرحم التي أمر الله بصلتها (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) بالفتن وقطع السبيل ويصدّون من آمَن بمحمّد (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) الذين خسروا أنفسهم وأهليهم فأبدلوا النعيم بالجحيم .
28 – (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ) إنّ هذه الآية لَها معنيان أحدهما يدلّ على خلق آدم والثاني يدلّ على خلق نسله ، أمّا خلق آدم فقد شرحتها شرحاً وافياً في كتابي (الكون والقرآن) تحت عنوان (الحياة انتقالية) ، أمّا خلق نسله فخلقهم من عناصر أرضية فكان منها الغذاء وكان من الغذاء المني وكان من المني الجنين ، فقوله تعالى {كُنتُمْ أَمْوَاتاً} يعني كنتم جماداً فجعلكم أحياء تسمعون وتبصرون . ويؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة ياسين {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} . فجسم الإنسان يتكوّن من مواد أرضية وذلك من مركّبات الكبريت والفسفور والصوديوم والبوتاسيوم والكلس والحديد ، فالأشجار تمتصّ هذه المواد من الأرض فتصبح فيها فاكهة فإذا أكلها الإنسان أخذ جسمه ينمو ويكبر بِهذه الأغذية ( ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انتهاء أعماركم ( ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) الحياة الأثيرية ، وذلك بعد الموت في عالم الأثير (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة ، أي يرجع حكمكم إليه فيحكم بينكم بالعدل .
29 – (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) من جبال وأنهار ونبات وأنعام ، وقد سبق تفسير هذه الآية في كتابنا (الكون والقرآن)في تعريف السماوات الغازية :
http://www.quran-ayat.com/kawn/index...اوات_الغازيّة_30 – (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) يخلف مَن مضى قبله من الأمم (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) كما فسدت الأمم الماضية 1 ، (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ألا تكتفي بنا عبيداً (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي أنا أعلم أنّ أولاد آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ولكن لي منهم نخبة وفيهم الكفاية فهؤلاء يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً ، ويريد بذلك الأنبياء والهداة . وقد سبق شرح هذه الآية في كتابنا (الكون والقرآن) .
-------------------------------------------
1[بينما المفسّرون السابقون يخالون أنّه تعالى جعل آدم خليفة لله , ويا عجباً كيف ظنّوا ذلك والخليفة يفسد في الأرض ويسفك الدماء ! والمؤلّف هو أوّل من أوضح الخلافة هذه وبيّن كون أبينا آدم هذا آخر أب للجنس الرابع . – المراجع]
31- (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) أي أسماء الأنبياء والهداة (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ) أي عرض كنيتهم على الملائكة ، فقال تعالى : أتعرفون خليلي منهم ؟ قالوا : لا ، قال : أتعرفون كليمي منهم ؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون روحي منهم ؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون حبيبي منهم ؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون أمري منهم ؟ قالوا : لا نعرف ، (فَقَالَ) الله تعالى للملائكة (أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء) الدعاة إلى الله (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) بأنّكم تعلمون أنّ أولاد آدم يفسدون في الأرض .
32 – (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا) أي تنزيهاً لك عن الخطأ فإنّك لا تخلق الخلق إلاّ لمصلحة فإنّنا لا علم لنا بالغيب إلاّ ما أنبأتنا عنه (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ) بِما غاب عنّا (الْحَكِيمُ) في مخلوقاتك لا تخلق شيئاً عبثاً .