تفسير سورة البقرة ( 23 )
177 – لَمّا كثر الكلام بين المسلمين واليهود في أمر القبلة نزلت هذه الآية (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) البرّ هو عمل الخير ، والمعنى ليس عمل الخير خاصّاً بالتوجّه نحو القبلة سواء مكة أو بيت المقدس (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ ) وحده ولم يشركْ به (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني يوم القيامة ، أي وآمن بالبعث (وَالْمَلآئِكَةِ ) أي وآمنَ بالملائكة أنّهم عباد الله لا بناته كما يزعم المشركون (وَالْكِتَابِ ) أي وآمنَ بالكتب السماوية كلّها (وَالنَّبِيِّينَ ) أي وآمنَ بجميع الأنبياء لا ينكر أحداً منهم (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) أي على حبّ الله وفي سبيل الله ، أمّا إذا أعطى المال على حبّ الناس فليس ذلك من أعمال الخير ولا يؤجر عليه ، وذلك من ينفق ماله في سبيل الأئمة والمشايخ وعلى حبّهم أو في سبيل الأنبياء فلا يؤجر عليه وليس ذلك من أعمال البرّ ، بل هو نوع من الإشراك ، ومن ذلك الوقف ، فوقف الأملاك للأئمة والمشايخ لا يجوز لأنّه نوع من الإشراك ، فعمل البرّ هو أن تؤتي المال على حبّ الله إلى (ذَوِي الْقُرْبَى )أي إلى الفقراء من أقربائك (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ ) يعني الأيتام والمحتاجين (وَابْنَ السَّبِيلِ ) يعني المسافر المنقطع به والغريب عن وطنه والضيف (وَالسَّآئِلِينَ ) أي الطالبين للصدقة ، لأنّه ليس كلّ مسكين يطلب (وَفِي الرِّقَابِ ) الرقاب جمع رقبة ، يعني ويعطي المال في فكّ الرقاب من الأسر ، كقوله تعالى في سورة البلد {فَكُّ رَقَبَةٍ} ، وكذلك عتق العبد إذا كبر سنّه (وَأَقَامَ الصَّلاةَ) أي واظب عليها وأدّاها بوقتها (وَآتَى الزَّكَاةَ) أي أعطى زكاة ماله ، (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ) يعني العهود والنذور التي بينهم وبين الله تعالى ، والعقود التي بينهم وبين الناس ، وكلاهما يلزم الوفاء به (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء) البأساء هي الفقر والضراء هي المرض (وَحِينَ الْبَأْسِ ) يعني ويصبرون وقت الحرب وقتال الأعداء (أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) بقولهم آمنّا ، وإنّهم أبرار (وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) حقاً ، أي الذين اتّقوا نار جهنّم بفعل هذه الخصال الحميدة .
180 – ثمّ بيّن سبحانه بأنّ الغنيّ إذا حضرته الوفاة فليوصِ لوالديه ولأقربائه الفقراء بأن يعطوهم من المال الموروث زيادة على حصّتهم فقال (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) أي فُرِض عليكم (إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) يعني إذا دنا وقت موته (إِن تَرَكَ خَيْرًا) يعني إن ترك مالاً كثيراً (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) أي فعليه أن يوصي لوالديه وأقاربه الفقراء سواء كانوا وارثيه أم غير وارثيه ، لأنّ هذه الوصية جعالة غير الإرث وخاصة للفقراء منهم ، وذلك بأن يعطيهم الوصيّ من المال الموروث يعني من النقود أو الأطعمة كالحنطة والتمر والزبيب ..الخ على مقدار ما أوصى به الميّت (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالشيء المناسب لهم وذلك بأن يعطي المحتاج منهم أكثر (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) أي حقاً واجباً على من آثر التقوى .
181 – (فَمَن بَدَّلَهُ ) أي فمن بدّل كلام الموصي ، يعني بدّل الوصية (بَعْدَمَا سَمِعَهُ ) من الموصي (فَإِنَّمَا إِثْمُهُ ) أي إثم التبديل (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) من الموصي والشهود ، يعني على الذين يبدّلون وصية الميّت (إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بأفعالهم .