تفسير سورة البقرة ( 26 )
189 – كانت العادة عند اليهود أنّهم يتصدّقون في أوّل كلّ شهر ، فكان أكثرهم يأتي جاره الفقير من السطح ليعطيه طعاماً فيتّفق أنّ زوجته عريانة أو مكشوفة الساقين أو يبدو شيء من جسمها فيراها الذي ينقل الطعام فيغتمّ الفقير من ذلك ، وكان بعضهم يتعمّد الذهاب إلى بيت جاره من السطح ليرى زوجة جاره أو بناته . فلمّا ظهر الإسلام جاء معاذ بن جبل إلى النبيّ وقال : يا رسول الله إنّ اليهود يقولون أنّ الله تعالى جعل الأهلّة لنعمل الخير عند رؤيتها ، فهل هذا صحيح ؟ فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ ) يا محمّد (عَنِ الأهِلَّةِ ) جمع هلال ، والمعنى يسألونك عن الأهلّة هل هي مواقيت لعمل البرّ ، أي لفعل الطاعات (قُلْ ) يا محمّد (هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ) ،1 يعرفون بِها الحساب وعدد الشهور والسنين وما يحتاجون إليه من وقت صومهم وإفطارهم وعدّة نسائهم وحلول ديونِهم وغير ذلك (وَالْحَجِّ ) أي وكذلك يعرفون بِها وقت الحجّ ، (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ) أي وليس الذي تفعلونه من إعطائكم الصدقات رأس كلّ شهر هو البرّ بأنّكم تأتون البيوت من ظهورها ، أي من سطوحها فتتسلّطون على نساء الفقراء وتنظرون إليهنّ بشهوة ، فالظهر هو السطح ، والظهرة المرتفع من الأرض (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ) المعاصي وتجنّب المحرّمات (وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) لتقديم الصدقات واتركوا تلك العادات (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) فيما نهاكم عنه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) بالثواب إن تركتم تلك العادات وامتثلتم أمر ربّكم .
---------------------------------------------
2 [ وجاء في التوراة أيضاً "صنع القمر للمواقيت " مزمور 104 : 19 – المراجع ]
190 – سافر فريق من المسلمين لمحاربة المشركين من أهل مكّة فصادفوا بطريقهم نفراً من المشركين ولكنّهم ليسوا من أهل مكّة ومعهم أموال فقتلوهم وأخذوا أموالَهم ، فنزلت هذه الآية (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) أي لوجه الله ولأجل الدين ولا تقاتلوا لأجل المال (الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) يعني قاتلوا الذين يقاتلونكم من المشركين ولا تقاتلوا غيرهم إنْ لم يتعرّضوا لقتالكم (وَلاَ تَعْتَدُواْ ) على أحد إنْ لم يعتدوا عليكم (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) على الناس 1
-----------------------------------------------
1 [لو نُفّذت أحكام الإسلام كاملة فإنّها خير ضمانة لغير المسلمين ، لأنّه غير اعتدائي ، وقد نظر إلى غير المسلمين مراعياً حقوقهم وواجباتهم ، أمّا الطعون التي تُوجّه إليه فمصدرها الاستعمار – المراجع ]