تفسير سورة البقرة ( 24 )
182 – (فَمَنْ خَافَ) أي خشي (مِن مُّوصٍ) أي من الموصي ، وذلك عند وصيّته قبل وفاته (جَنَفًا) أي ميلاً عن الحقّ فيما يوصي به لأقربائه (أَوْ إِثْمًا) الإثم أن يكون الميل عن الحقّ على وجه العمد ، والجنف أن يكون الميل على وجه الخطأ من حيث لا يدري (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) أي فأصلح ذلك الشخص الحاضر عند المريض وقت وصيّته بين المريض الموصي وبين أقربائه ، بأن يقول له إنّ فلاناً من أقربائك وهو فقير فلا تنسَه ، وفلان يتيم وهو من أقربائك فاجعل له جعالة ، وزيد محتاج فأعطِ زيداً أكثر من عمرو ، فهذا الرجل المصلح (فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ) بل يؤجر على ذلك (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ) يغفر للميّت إذا أوصى لوالديه وأقاربه الفقراء والأيتام والأرامل (رَّحِيمٌ) بالفقراء إذْ جعل لهم جعالة وأوصى لهم بالزكاة .
تعريف
للمستحضر أن يوصي بثلث من ماله ليصرف بعد وفاته ، أو يهب منه على أقربائه أو غيرهم من الفقراء قبل موته والباقي يصرَف بعد وفاته على إطعام الفقراء والأيتام أو كسوتهم أو غير ذلك مِمّا أوصى به الميّت وليس للمستحضر أن يهب لأحد أو يوصي بالإنفاق من ماله بعد موته أكثر من الثلث إذا كان له أولاد ، ولا يجوز للوصي أن يتصرّف بأموال الموصي برأيه ، ويجب أن يقام ناظر على الوصي لئلاّ يخون الوصية فيأكل من مال الأيتام ، ويجب أن يكون الناظر من أقرباء الميّت وإذا لم يوجد أحد من أقرباء الميّت أو من الورثة فمن غيرهم ولا يجوز أن يكون الناظر أبا الوصيّ أو ابنه أو أخاه لئلاّ يتّفق مع الوصيّ على أكل مال الأيتام ، وإذا زاد من الثلث عند الوصيّ بعد العمل بالوصيّة يجب أن يعاد للورثة ويقسّم عليهم . وتبقى وصاية الوصيّ ثابتة على صغار الورثة حتّى يبلغوا رشدهم ، أمّا البالغ رشده وصاحب الحقّ من الورثة له أن يتصرّف في حقّه كيف يشاء وليس للوصيّ حقّ عليه .
183 – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) كاليهود والنصارى وغيرهم (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) أي لكي تتّقوا المعاصي بفعل الصوم .
184 - ثمّ بيّن سبحانه مدّة الصيام فقال (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) ويريد بذلك أيام شهر رمضان ، وإنّما سمّاها معدودات لأنّ الشهر القمري قد يكون 29 يوماً أو 30 يوماً ولا يكون 31 وكانت العادة عند العرب أنّهم يعدّون الدراهم إذا كانت تحت الثلاثين وإذا زادت عن ذلك فإنّهم يزِنونَها وزناً ولا يعدّونها (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ ) وهنا حذف في الكلام والتقدير : فمن كان مريضاً أو على سفر وكان لا يطيق الصوم فعدّة من أيّامٍ أخر . يدلّ على ذلك قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) . (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) أي فليفطر تلك الأيام التي مرض بِها أو سافر فيها ثمّ يصوم بعد ذلك على عددها (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) أي وعلى الذين يطيقون الصوم من المرضى والمسافرين فدية إذا أفطروا ولم يصوموا . ثمّ بيّن سبحانه مقدار الفدية فقال (طَعَامُ مِسْكِينٍ ) أي إطعام مسكين واحد عن كلّ يوم من إفطاره ، وذلك بأن يعطي نصف صاع من الحنطة عن كلّ يوم (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ) أي فمن أطعم أكثر من مسكين (فَهُوَ ) أي التطوّع بالطعام للمساكين (خَيْرٌ لَّهُ ) عند ربّه ، أي للمتطوّع (وَأَن تَصُومُواْ ) أيها المرضى والمسافرون الذين تطيقون الصوم (خَيْرٌ لَّكُمْ ) من الإفطار والفدية (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) منافع الصوم للصحة والجزاء في الآخرة .