تفسير سورة البقرة ( 13 )
91 – (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ) أي لليهود (آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ ) على محمّد وهو القرآن (قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ) يعنون التوراة (وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ ) أخبر الله تعالى عنهم بأنّهم يكفرون بما جاء بعد التوراة كالإنجيل والقرآن (وَهُوَ الْحَقُّ ) أي وهو كلام الله وليس من كلام البشر (مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ ) أي أنزل الله القرآن مصدّقاً لِما معهم من الأحكام الشرعية التي في التوراة ومتمّماً للشرايع (قُلْ ) يا محمّد لهم (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ ) نزول القرآن كيحيى وزكريا وغيرهما (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) بالتوراة كما تزعمون ؟ أليس الله حرّم عليكم قتل النفس في التوراة فكيف تقتلون أنبياءه ؟
----------------------------------------------
[على الهامش
والحقيقة أنّ اليهود الحاليين والمعاصرين للرسول الأكرم لم يؤمنوا بالتوراة أيضاً ، فلو آمنوا بِها لصدّقوا رسالة محمّد عليه السلام بإطاعتهم للتوراة التي ألزمتهم بالطاعة والإذعان للرسول العربي ؛ فقد جاء في سفر التثنية " أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلّمهم بكلّ ما أوصيه به ويكون أنّ الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلّم به باسمي أنا أطالبه " 18 : 19 ، والمعنى أنّ الله تعالى يبعث لليهود ولغيرهم نبياً من أفضل أولاد إسماعيل أخ إسحاق هو كموسى ، ولا يعرف الكتابة بل كلّ ما يسمعه من جبريل يذيعه ويبلّغه لهم ولسواهم ، والذي لا يذعن لقوله يكون الله تعالى الطالب ويصبح هو المطلوب ولن يكون على أمره إلاّ مغلوب ."
انتهى الهامش – المراجع ]
93 – (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ) يعني أخذنا عليكم العهد والميثاق بأن لا تشركوا بالله شيئاً (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) وهو الجبل لَمّا مال عليهم وكانوا تحته ، فقلنا لهم (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم ) من الأحكام الشرعية (بِقُوَّةٍ ) أي بعزيمة ويقين ، وقد سبق تفسيرها ، وقوله (وَاسْمَعُواْ ) أي أصغوا لقولنا وامتثلوا أوامرنا (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) يعني صارت أعمالهم كمن قال سمعنا وعصينا ، لأنّهم لم يمتثلوا أمر ربّهم ولم يعملوا به إلاّ القليل (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) أي دخل حبّ العجل في شغاف قلوبِهم ، لأنّهم كانوا معتادين على عبادة الأوثان في مصر قبل مجيء موسى إليهم (قُلْ ) يا محمّد لَهم (بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ ) يعني إذا كان إيمانكم يأمركم بعبادة العجل وقتل الأنبياء وتكذيب الرسل فذلك بئس الإيمان (إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ) بالتوراة كما تزعمون : نؤمن بما أنزل علينا .
96 – (وَلَتَجِدَنَّهُمْ ) أي اليهود (أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ) يعني أحرص الذين هم أهل كتاب مثلهم (وَ ) أحرص (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) كالمجوس وعبدة الأوثان . ثمّ بيّن سبحانه زيادة حرصهم على البقاء في دار الدنيا فقال (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) يعني لو يعيش هذه المدّة (وَمَا هُوَ ) يعني عمره (بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ ) يعني وما عمره بمخلّصه من عذاب جهنّم (أَن يُعَمَّرَ ) أي مهما عمّر ، فلفظة زحزح يعني خروجه من جهنّم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} .
والمعنى ولو أنّ أحدهم بقي في الدنيا ألف سنة يفكّر في حيلة تنجيه من عذاب الله فلا يتوصّل إلى ذلك إلاّ بالإيمان والطاعة (وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) فيعاقبهم على أعمالهم .